من سألك فأعطه
هذا الموضوع يعتبر فرعا من القانون الرابع لملكوت السموات في الانتقام
يمكنك الرجوع إلى رابط القانون الرابع من هنا الانتقام فى المسيحية
من سألك فأعطه |
من سألك فأعطه
والآن ننتقل بك أيها القارئ الكريم إلى القسم الثانى من هذا القانون، وهو أمر يبدو أصعب الأمور كلها، إذ يقول "من سألك فأعطه ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده". ويظهر أنه يجب علينا، من الناحية الواحدة، أن لا ننتقم لأنفسنا، ومن الناحية الاخرى ان نكون كرماء إلى حد الإفراط.
يمكن مشاهدة مقدمة الموضوع من هنا ملكوت السموات وقوانينه
اننى اذكر جيدا انى عندما اردت ان ادرس هذا القانون طلبت من الله أن يعلمنى ما قصد منه فكانت صلاتى اليه هكذا: "يارب هل المقصود بهذا القانون هو المعنى الظاهرى، اى اننى اذا كنت قادرا على العطاء فعلى ان أعطى كل من يسألني بلا تمييز ولا تفريق، وان اقرض كل من يطلب منى قرضا؟ فان كان هذا هو المقصود من ذلك القانون فانى اعترف اليك يارب انه ليست عندى النعمة الكافية لتنفيذ ذلك". ولكني رغم ذلك كنت على يقين تام ان أوامره تحمل لنا فى طياتها قوة تساعدنا على تنفيذها، وأنه إذا كان ذلك قصده من أمره هذا فلا بد ان يمنحني قوة لتنفيذه، بل لقد كانت رغبتى الوحيدة ان اعرف قصد الرب منه، ولذلك فقد استطردت قراءة هذا الأصحاح الى ان وصلت الى عدد 45 حيث يقول "لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السموات فانه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين"، وهنا اهتديت الى المفتاح الذى يفتح امامى معنى القانون بوضوح: فلا شك اننا نريد من أولادنا ان يعاملوا الآخرين بالمعاملة التى نعاملهم نحن بها، وهكذا الحال مع ابينا السماوى، فانه يطلب منا أن نعامل الآخرين المعاملة عينها التي يعاملهم هو بها، ذلك هو المراد من تقوانا و تمثلنا بالله وكوننا أبناءه، فليس ذلك كله كلاما، بل هو عمل وسلوك.
وعندئذ قلت فى نفسى "ها هو أمر يقول: من سألك فاعطه ومن اراد ان يقترض منك فلا ترده، فكيف يسلك الله معنا فى ضوء هذا الأمر يا ترى؟ ترى هل يعطى كل من يسأله؟ كلا بل هو يعطى كل من له احتياج حقيقى".
وهاك مثلا يوضح ذلك: هب انى احتجت حاجة ماسة الى ألف جنيه، وطلبت من الله ان يعطيني هذا المبلغ، فليس من شك عندى أن الله، بمقتضى كلمته الصادقة واختبارى السابق، يدبر لى هذه الحاجة ولكنى اعلم تماما انني ان لم اكن محتاجا حقا وطلبت منه أن يعطيني مبلغا كهذا، فلن يعطينى اياه. ولذلك فقد صرت، وانا احد أبناء الله، أساعد كل أخ أو أخت فى حاجه، متى كان فى امكاني ان امد يد المساعدة.
ولقد تأيد هذا الأمر فى (1يو3: 16-18) إذ يقول "بهذا قد عرفنا المحبة ان ذاك وضع نفسه لاجلنا فنحن ينبغي لنا ان نضع نفوسنا لاجل الاخوة وأما من كانت له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجا وأغلق احشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه. يا أولادى لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالحق".
وأريد كذلك أن أوجه نظرك أيها الحبيب الى فقرة أخرى وردت فى (اف28:4) حيث يقول "لا يسرق السارق فيما بعد بل بالحرى يتعب عاملا الصالح بيديه ليكون له أن يعطى من له احتياج". لاحظ قوله "ليكون له". فلماذا قال ذلك؟ إن كثيرين يقفون عند هذه الكلمة كأن الجملة انتهت بها ويظنون أنهم يجب أن يعملوا لتكون لهم خيرات وفيرة، بينما يريد الله من ذلك أن نسدد احتياج الآخرين عن طريقهم. فإذا ما ساعدنا الرب فكسبنا ما يزيد عن احتياجاتنا فما ذلك إلا لكى يكون لنا امتياز هو ان "نعطي من له احتياج".
لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض
لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض |
ولكن يجب علينا قبل ان ننفذ هذا الأمر ان نرعى قانونا آخر من قوانين الملكوت هو القانون السابع الذى سيأتى ذكره فيما بعد. لقد ورد ذلك القانون فى (مت19:6) حيث يقول "لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض" وفى (مت21:19) حيث قال الرب يسوع للشاب الغنى "ان أردت ان تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء وتعال اتبعني".
فما هو المقصود من كل ذلك؟ وما هو المراد بقوله "لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض" هل يعنى ذلك ان لا تكون لكم كنوز البتة؟ كلا بل المقصود هو أن لا تكون كنوزكم ملكا لكم بل لله وأما انتم فتكونون وكلاء الله على هذه الكنوز تتصرفون فيها حسب إرشاده.
ثم ما هو المقصود بالقول "اذهب بع كل أموالك"؟ هل يريد الله منكم ان تبيعوا كل بضائعكم وما يملكون من أسهم واطيان وعقار وتعطوا ثمن هذه إلى إرسالية من الإرساليات مثلا؟ ليس هذا هو المعنى الذي تحتمه هذه الكلمات، مع أنه قد يكون المقصود منها كذلك اذا ما أرشدك الله الى ذلك الفعل، وعلى كل حال فالمطلوب هنا ان تضع كل ما تملكه عند قدمى الرب يسوع فإن البيع يعنى تغيير الملكية فلو كان عندي سيارة ثم بعتها اليك فان الملكية تتغير. أليس كذلك؟ فيصبح لك الحق أن تهديهم إلى كائن من كان، او ان تكسرها، او تبيعها، وجملة القول انها تصبح ملكا لك تتصرف فيها حسبما شئت، ذلك هو المقصود بتلك الكلمات، أعنى تغيير الملكية، فكثيرون منا ينظرون الى ممتلكاتهم، قليلة كانت أم وفيرة كأنها ملك خاص بهم، ولكن واجبنا أن "نبيع" كل ممتلكاتنا.
لقد كان لزاما على اليهودي فى العهد القديم أن يعطى عشر ماله لله، وهناك بعض الناس فى يومنا هذا ممكن يدفعون العشر لله ويظنون أنهم مطلقو الحرية فى التصرف فى ما بقى معهم، ولكن لا تنسوا ان هذا نظام يهودى.
نعم انه جيد ان نعطى لعمل الرب بحسب نسبة أموالنا ولكن علينا ان نشعر بان الله لا يملك عشر أموالنا فقط بل يملك أموالنا كلها. وان واجبنا أن نضع كل شئ كاملا عند قدمى الرب يسوع قبل ان نحاول تنفيذ الأمر القائل "من سألك فأعطه" (أى اشترك فى احتياجات الذين تعرف أنهم فى حاجة حسبما يرشدك الله به). نقرأ عن التلاميذ الأولين ان كل من كانت له أرض أو ممتلكات كان يبيعها ويضع ثمنها عند أرجل الرسل فينفقون منها على حاجاتهم اليومية. فاذا ما طبقنا الكلام روحيا رأينا من واجبنا نحن أيضا ان نبيع كل ما نملكه وان نضع ثمنه عند قدمى الرب يسوع المسيح، وليس عند أقدام الرسل ثم نأخذ من ذلك احتياجاتنا اليومية، فإذا أظهرنا استعدادنا لنسلك هذا المسلك فيما يختص بممتلكاتنا الارضية استطعنا أن ننفذ الامر القائل "من سألك فأعطه".
كل من سألك فأعطه
كل من سألك فأعطه |
ولكن ما قولكم فى الاقتراض؟ لقد ورد ذكر ذلك بتفصيل فى إنجيل لوقا حيث نقرأ "وكل من سألك فأعطه. ومن أخذ الذى لك فلا تطالبه. وكما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا انتم ايضا بهم هكذا. وان احببتم الذين يحبونكم فأي فضل لكم. فان الخطاة ايضا يحبون الذين يحبونهم وإذا أحسنتم إلى الذين يحسنون إليكم فأي فضل لكم فان الخطاة ايضا يفعلون هكذا، وان اقرضتم الذين ترجون أن يستردوا منهم المثل. بل أحبوا اعداءكم واحسنوا واقرضوا وانتم لا ترجون شيئا فيكون أجركم عظيما وتكونوا بني العلي فانه منعم على غير الشاكرين والأشرار فكونوا رحماء كما أن أباكم رحيم" (لو6: 30-36).
لاحظ الوعد المعطى لنا إذا نحن اقترضنا الآخرين، فإن أجرنا يكون عظيما ونكون بنى العلى بحق. والصعوبة العملية الوحيدة التى تعترض طريقنا هى كيفية القول بأن من يسألنى هو فى حاجة حقيقية أم لا، ولكنى اعتقد ان هذه الصعوبة سرعان ما تختفى اذا نحن أظهرنا استعدادنا لاطاعة كلمات الرب لان الروح القدس لابد من أن يرشدنا، فإذا اعتمدنا عليه منحنا فى الحال إرشادا داخليا إلى ما يجب علينا أن نعمله.
أما ما يعترضنا من صعوبة فى تمييز إرشاد الروح القدس لنا فراجع فى غالب الأحيان الى عدم استعدادنا لتسليم كل شئ له، فكثيرا ما نقول إننا قد توجنا الرب يسوع ملكا على حياتنا، وأن كل ما لنا هو له، ولكن هل نعني ما نقول؟ اننى اريد ان نكون عمليين فى هذه الأمور. ولرب معترض يقول " إن هذه الأمور غير عملية فاننى اذا سلكت بحسب هذا الكلام فلا يمضى على وقت طويل حتى اكون قد خسرت كل شئ وأصبح عالة على الآخرين أعيش على ما يجود به خاطرهم من الاحسان". كلا يا عزيزى، اننى اؤكد لك انك لن تكون كذلك فانظر الى مواعيد ملكوت الله، انها تقول "اطلبوا أولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم" (مت33:6).
وليس من شك أن أنجع طريقة نطلب بها ملكوت الله هي أن نحفظ قوانين ذلك الملكوت. ولا ننس كذلك الوعد القائل "اسألوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم" (مت7:7)، وقوله أيضا "فان كنتم وأنتم اشرار تعرفون ان تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري أبوكم الذى فى السموات يهب خيرات للذين يسألونه" (مت11:7).
ان فى مقدورنا أن نكون كرماء لان لنا أبا غنيا كريما، وعدنا ان يسدد كل احتياجنا. ولكن عيبنا فى أغلب الاحيان اننا ننتزع المواعيد التى حوتها الموعظة على الجبل ونحاول تطبيقها على نفوسنا، ثم نهمل ما تضمنته هذه الموعظة من أوامر ونواه... ذلك أمر لا يمكن أن يأتي بالنتيجة المرجوة فالمواعيد والأوامر صنوان لا يفترقان متداخل أحدهما فى الآخر، فإذا أطعت قوانين الملكوت حصلت على إيمان عجيب وصار سهلا عليك ان تحصل على بركات المواعيد، كما جاء فى (1يو 22:3) "ومهما سألنا ننال منه لاننا نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضية أمامه". فحيث الطاعة هناك يتعمق الايمان، وإذا أظهروا اهتماما نحو الآخرين تولدت عندنا الثقة بأن الله يهتم بنا أيضا".
من يزرع بالبركات فبالبركات ايضا يحصد |
أضف الى ذلك انه متى كانت عطايانا صادرة عن طيب خاطر وبروح الفرح والاغتباط فإن الله يعوض علينا ما نعطيه، فهو يقول "كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا" (لو38:6)، وكذلك يقول بولس الرسول أيضا عن الاحتياجات الجسدية "من يزرع بالشح فبالشح ايضا يحصد ومن يزرع بالبركات فبالبركات ايضا يحصد" (2كو 6:9).
نعم ان الله يود أن نكون أداة لتوصيل نوره حتى ينال العالم بركة عن طريقنا، ولكنه لا يستطيع ان يفعل ذلك إلا إذا سلمناه حياتنا كاملة واظهرنا استعدادنا لتنفيذ إرادته مهما كلفنا ذلك من تضحية. فعلام عزمنا؟ أمستعدون نحن أن نتبع يسوع؟ وان نتوجه مللكا علينا؟ وهل نحن مستعدون ان نطيع قوانين الملكوت كما يعلنها لنا؟ ذلك هو التكريس الحق والتسليم الصحيح. ليعطينا الرب نعمة حتى نسلم له كل شئ الآن.
إرسال تعليق